المساواة بين الناس أمام الشريعة و أمام الله
للحديث في
هذا الموضوع لا بد أن تتوارد أسئلة إلى الذهن يمكن إيجازها فيما يلي:
ماهي المساواة بين الناس جميعاً ؟ وما حال الناس قبل الإسلام وما المراد بالمساواة
بين الرجل والمرأة ؟ مع وجود الفرق الطبيعية ؟
معنى المساواة : لقد شغل مفهوم المساواة أذهان المفكّرين عبر الزمان والعصور فهي
ذات أصول دينية فلسفية وتشريعية ، ولقد عرّفها أفلاطون بالآتي :
أ – فضيلة أخلاقية يحقّقها الفرد في نفسه حينما يعمل على تحقيق الانسجام بين عقله
وعواطفه وشهواته .
ب –
فضيلة سياسية تحقّقها الدولة حينما يتمّ الانسجام بين أفرادها.
ثم تسير مع الزمن و ترقى برقى أهله فتجددها التشريعات الحديثة التي نادت بإعلان
حقوق الإنسان .
المساواة في إعلان حقوق
الإنسان
اشترك الناس جميعاً في الحقوق الإنسانية بالرّغم من تفاوتهم الاجتماعي الناشئ عن
فروقه الفردية من حيث الكفاءات والفضائل والمواهب . وذلك استنادً إلى المبدأ
القائل : جميع الناس ولدوا سواسية في الحق .
المساواة في الإسلام والدياناتالأخرى
والواقع أن فكرة المساواة لم تلبس ثوبها الفضفاض إلاّ على يد الدّيانات السماوية
وخاصة الديانة الإسلامية .
-في المسيحية
: نجد من عقائد المسيحية أنّ الناس جميعا خُلقوا على صورة الله "
-في اليهودية
: كما نجد من عقائد اليهود " أن اليهود جميعاً شعب الله المختار " وبقية
الناس من نسل نجس لأنّهم كفار .
في الإسلام يؤكّد على أن النّاس جميعاً سواسية كأسنان
المشط ، وكلهم لآدم وآدم من تراب ، وأكرمهم عند الله اتقاهم
حال الناس قبل الإسلام
ممّا هو ثابت في تاريخ الأمم والشعوب قبل
الاسلام – أنّ بعض الأحبار و الرهبان ساعدهم الملوك وأصحاب السلطة المادية –
فقسّموا الناس على طبقات – و خيّلوا لهم أن الدّماء تختلف و أنّ حقوق هذه
الدماء تختلف ، وتتفاوت تبعاً لذلك ، فلهذه الطبقة من الحقوق ما ليس
لتلك، وإنّ لهذا الدم أن يحكم وأن يورث الحكم في أعقابه بأمر الله ، وليس
لأحد من العامة أن يعترض و إلا كان جزاؤه الطرد على يد الحكام من الحياة
الدنيوية بالموت وعلى يد رجال الكهنوت الذين انحرفوا عن رسالة الدّين من رضوان الله
، هذا النظام الطبقي هو النظام الذي كان يعرفه العالم و يرضخ له كارهًا ، وكانت
الشعوب تسير على مقتضاه مجبرة لا تعرف في ضلاله حقا ، ولا
أن تجد منه خلاصًا .
وأيضا : لقد كان ذلك سائدًا بين أهل المدينات والحضارات كالدولة الرومانية و
الفارسية ، و حتى أوربا الحديثة التي أنجبت( جان جاك روسو) صاحب العقد الاجتماعي ،
كانت ترى الغنى مبررا لفعل السوء وارتكاب المعوقات والاستعلاء على القانون بينما
تعتبر الفقر ثوب العبودية والرق والحيوانية .
بل نظرة عابرة في العصر الذي نعيش فيه نرى أمّة كبرى غزت الفضاء بسفنها وأقمارها
الصناعية و وضعت أعلامها ترفرف على أرض الكواكب كالولايات المتحدة الأمريكية تعمل
على التفرقة العنصرية ، فللأبيض من الحقوق ما ليس للأسود ، حتى في دور
العلم والجامعات الكبرى التي تمثل الرقى الفكري والسمو العقلي .... نعم نرى هذه
التفرقة ونسمعها ونقرؤها على صورة الحزن ن ونبعث على القلق –
والاشمئزاز وحسبنا أن نعرف أنّ فتاة زنجية ، دخلت
الجامعة فتطرد منها ، وتطالب جماهير الشعب بقتلها ، ثم يصنع لها تمثال رمزي ن ثم
يحطم هذا التمثال لا لجريمة ارتكبتها غير محاولة أخذها لحقها من العلم .
و ليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل
تطوّر حتى أصبح مشكلة اجتمع لها الكونغرس الأمريكي والوزراء ورئيس الولايات
المتحدة الأمريكية ، بل نرى نظرة الأوروبيين إلى غير الأوروبيين نظرة ازدراء
واحتقار .
حالة المرأة قبل الاسلام
ولنتحدث الآن عن جانب آخر من جوانب الطبقية
في الديانات والحضارات غير المسلمة عن المرأة التي تصور لونا من ألوان ظلم الإنسان
لأخيه الإنسان .
كانت المرأة في الشعوب
المتوحشة لا تعدو أن تكون في حياتها مخلوقا تابعا للرجل ، بل أحيانا يجتز شعرها
كما تجز الأغنام ، وكان الرجل يجمع ما يشاء من النساء ، وكانت تعتبر أمة فزوجها لا
لا يرى لها حقا معه ولا ترى
لنفسها حقا ، وكانت إذا مات الرجل تترمّل حتى تموت ، فلا يسوغ لها أن تتزوج أو
تتزيّن ، بل لقد كان بعض الشعوب يستحسن من المرأة التي مات زوجها أن تقتل نفسها
بعده .
هذه صورة مما كان عليه
الناس قبل الاسلام .
الاسلام والطبقية
لما جاء الاسلام
مناديًا بمبادئ الإصلاح وبالثورة العارمة على الطبقة بين جنس وجنس بل بين الذّكر
والأنثى حيث أمر :
1- إلغاء الفوارق الطبقية
02-
بإلغاء الفوارق الدينية والعنصرية .
03-
بإلغاء التفاوت الاجتماعي بين الرجل والمرأة كما غرس الوازع الديني والنفسي في
المجتمع بتقوى الله ومراعاة الأرحام .
و تتمثل الثورة الإصلاحية في الإسلام
في مثل قوله تعالى : يا أيها النّاس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها
زوجها وبثّ منها رجالا كثير ة أو نساء و اتّقوا الله الذي تسألون به و
الأرحام ، إن الله كان عليكم رقيبًا "
و الذي ينظر في هذه الآية يرى أن
الخطاب للناس جميعا و ليس قاصرًا على إقليم ولا خاصًّا بمجتمع دون
مجتمع ثم يرى أن الله ناصرهم بتقواه لأنه خالقهم و من واجب المخلوقين أن يتوجهوا
على خالقهم والكل في ذلك سواء ، فهم متساوون لا يمتاز أحدهم عن الآخر ولا صنف عن
صنف ولا شعب عن شعب ، وهذا هو الركن الأول في المساواة .
ثم
نرى في الآية بقول الله تعالى : " واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إنّ
الله كان عليك
عليكم رقيبا"
وفي ختام هذه الآية توجيه ذو شعبتين :
الأولى : راجعة إلى العقل ، وهي الأمر
بتقوى الله الذي خلق الناس وربّاهم .
الثانية : توجيه إلى العاطفة إنّها المحافظة
على الرحم والعلاقات والأواصر التي تربط بين الناس والشعوب على اختلافها –
فتكون الرحمة والحنان والتعاون .
وبهذه الأمور الثلاثة – القلب وهو المساواة ، والجناحان وهما التقوى لله والمحافظة
على صلة الأرحام ، يسلك المجتمع طريقة في الحياة قويا مرتبطا متعاونا متراحما .
معنى المساواة بين الرجل
والمرأة مع الظروف الطبيعية
و الإسلام هو الدّين الذي استطاع أن يسوي
بين المرأة والرجل مع مراعاة الظروف الطبيعية بينهما فقد جعل للرّجال على النساء
عدم الضرر بها وإهدار كرامتها ، وللرجل على المرأة حقوقًا هي المحافظة على ماله
وعرضه وتحمّل الحياة ومسؤوليتها .
و لا ينبغي أن تفهم المساواة بين
الرجل والمرأة حتى فيما تفرض الطبيعة اختلافهما وتفاوتهما فيه فذلك ما
لايقول به العقل ، قال تعالى " وَلَا
تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ "
هذا توجيه من الله إلى طبيعة كل من الرجل والمرأة وما
فضّل الله به بعضهم على بعض فالرجال لهم وظيفتهم في
الحياة التي خلقوا لها و المرأة لها وظيفتها في
الحياة على صورة تتلاءم مع تركيبها النفسي والجسمي .
وكل من الرجل والمرأة مفضّل بمميزات لا توجد
بالأخر هذه هي المساواة بين الرجل والمرأة مع مراعاة الفروق الطبيعية بينهما ، فلا
ينبغي للرجل أن يطلب ما هو من خصائص المرأة وليس للمرأة أن تتطلع إلى ماهو
من خصائص الرجل .
رأي ابن رشد في المساواة
بين الرجل والمرأة
لقد بيّن ابن
رشد هذا التفاوت بينهما من حيث يريد البرهنة على التساوي بينهما
فيقول : " إنها – أي المر أة – تقل عن الرجل في الدرجة لا
في الطبيعة - أي كمية لا نوعا – فهي قادرة على ممارسة أعمال الرجل ،
مثل الحرب والفلسفة ، و لكن بدرجة أقل من الرجل – وقد تفوقه في بعض الفنون مثل
الموسيقى "
ثم يقول في
حالة الشدّة – في حالة الدور الذي يمكن أن تقوم به المرأة " أن حالتنا
الاجتماعية لا تؤهلنا للإطاحة بكل ما يعود علينا من منافع المرأة ، فهي في
الظاهر صالحة للحمل والولادة والحضانة فقط . وما ذلك إلاّ لأنّ حالة العبودية التي
أنشأ عليها نساء
نساءنا أتلفت مواهبها العظمى " .
هذه نظرة ابن رشد بالنسبة للمرأة يريد
مساواتها من حيث كلامه ينادي بوجوب التفاوت بينهما .